فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الشافعي: لا يقع الصعيد إلاّ على تراب ذي غُبار.
وذكر عبدالرزاق عن ابن عباس أنه سئل أي الصعيد أطيب؟ فقال الحَرْث.
قال أبو عمر: وفي قول ابن عباس هذا ما يدل على أن الصعيد يكون غير أرض الحرث.
وقال علي رضي الله عنه: هو التراب خاصة.
وفي كتاب الخليل: تيمم بالصعيد، أي خذ من غباره؛ حكاه ابن فارس.
وهو يقتضي التيمم بالتراب فإن الحجر الصّلد لا غبار عليه.
وقال الكِيَا الطبري: واشترط الشافعي أن يَعْلَق التراب باليد ويتيمم به نقلا إلى أعضاء التيمم، كالماء ينقل إلى أعضاء الوضوء.
قال الكِيَا: ولا شك أن لفظ الصعيد ليس نصا فيما قاله الشافعي، إلاّ أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جُعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا» بيّن ذلك.
قلت: فاستدل أصحاب هذه المقالة بقوله عليه السلام: «وجعلت تربتها لنا طهورًا» وقالوا: هذا من باب المُطْلَق والمُقَيَّد وليس كذلك، وإنما هو من باب النصّ على بعض أشخاص العموم كما قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وقد ذكرناه في [البقرة] عند قوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98].
وقد حكى أهل اللغة أن الصعيد اسم لوجه الأرض كما ذكرنا، وهو نصّ القرآن كما بينا، وليس بعد بيان الله بيان.
وقال صلى الله عليه وسلم للجنب: «عليك بالصعيد فإنه يكفيك» وسيأتي.
فـ {صَعِيدًا} على هذا ظرف مكان.
ومن جعله للتراب فهو مفعول به بتقدير حذف الباء أي بصعيد.
و{طيبا} نعت له.
ومن جعل {طيبا} بمعنى حلالًا نصبه على الحال أو المصدر.
وإذا تقرّر هذا فاعلم أن مكان الإجماع مما ذكرناه أن يتيمم الرجل على تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب.
ومكان الإجماع في المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصِّرف والفضة والياقوت والزُّمُرُّد والأطعمة كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات.
واختلف في غير هذا كالمعادن؛ فأجيز وهو مذهب مالك وغيره.
ومُنع وهو مذهب الشافعي وغيره.
وقال ابن خُوَيْزِ مَنْدَادَ: ويجوز عند مالك التيمم على الحشيش إذا كان دون الأرض، واختلف عنه في التيمم على الثلج ففي المدوّنة والمبسوط جوازه، وفي غيرهما منعه.
واختلف المذهب في التيمم على العُود؛ فالجمهور على المنع.
وفي مختصر الوَقَار أنه جائز.
وقيل: بالفرق بين أن يكون منفصلا أو متصلا فأجيز على المتصل ومنع في المنفضل.
وذكر الثعلبي أن مالكا قال: لو ضرب بيده على شجرة ثم مسح بها أجزأه.
قال: وقال الأوْزاعي والثَّوْرِي: يجوز بالأرض وكل ما عليها من الشجر والحجر والمَدَر وغيرها، حتى قالا: لو ضرب بيده على الجَمَد والثلج أجزأه.
قال ابن عطية: وأما التراب المنقول من طين أو غيره فجمهور المذهب على جواز التيمم به، وفي المذهب المنع وهو في غير المذهب أكثر، وأما ما طُبِخ كالجصّ والآجُرّ ففيه في المذهب قولان: الإجازة والمنع؛ وفي التيمم على الجدار خلاف.
قلت: والصحيح الجواز لحديث أبي جُهيم بن الحارث بن الصَّمّة الأنصاري قال: «أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقِيه رجل فسلم عليه، فلم يردّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم ردّ عليه السلام». أخرجه البخاري.
وهو دليل على صحة التيمم بغير التراب كما يقوله مالك ومن وافقه.
ويردّ على الشافعي ومن تابعه في أن الممسوح به تراب طاهر ذو غبار يَعلَق باليد.
وذكر النقّاش عن ابن عُلَيّة وابن كَيْسان أنهما أجازا التيمم بالمِسْك والزّعفران.
قال ابن عطية: هذا خطأ بَحْت من جهات.
قال أبو عمر: وجماعة العلماء على إجازة التيمم بالسباخ إلا إسحاق بن رَاهْوَيْه.
ورُوي عن ابن عباس فيمن أدركه التيمم وهو في طين قال يأخذ من الطين فيطلي به بعض جسده، فإذا جفّ تيمم به.
وقال الثَوْرِي وأحمد: يجوز التيمم بغبار الِّلبد.
قال الثعلبي: وأجاز أبو حنيفة التيمّم بالكُحْل والزِّرنيخ والنُّورة والجص والجوهر المسحوق.
قال: فإذا تيمم بسُحالة الذهب والفضة والصُّفر والنحاس والرصاص لم يجزه؛ لأنه ليس من جنس الأرض. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} محمول عند كثير من المفسرين على الوجه واليدين إلى الكوعين، وعند أكثر الفقهاء يجب مسح اليدين إلى المرفقين، وحجتهم أن اسم اليد يتناول جملة هذا العضو إلى الإبطين، إلا أنا أخرجنا المرفقين منه بدلالة الإجماع، فبقي اللفظ متناولًا للباقي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى؛ {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} المسح لفظ مشترك يكون بمعنى الجماع، يقال: مسح الرجل المرأة إذا جامعها.
والمسح: مسح الشيء بالسيف وقطعه به.
ومسحت الإبل يومها إذا سارت.
والمسحاء المرأة الرسحاء التي لا آسْت لها.
وبفلان مَسْحة من جمالٍ.
والمراد هنا بالمسح عبارةٌ عن جرّ اليد على الممسوح خاصّة فإن كان بآلة فهو عبارة عن نقل الآلة إلى اليد وجرها على الممسوح، وهو مقتضى قوله تعالى في آية المائدة: {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} [المائدة: 6].
فقوله: {منه} يدل على أنه لابد من نقل التراب إلى محل التيمم.
وهو مذهب الشافعي ولا نشترطه نحن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضع يديه على الأرض ورفَعهما نفخ فيهما؛ وفي رواية؛ نفض.
وذلك يدل على عدم اشتراط الآلة؛ يوضّحه تيممه على الجدار.
قال الشافعي: لما لم يكن بُدٌّ في مسح الرأس بالماء من بَلَلٍ ينقل إلى الرأس، فكذلك المسح بالتراب لابد من النقل.
ولا خلاف في أن حكم الوجه في التيمم والوضوء الاستيعابُ وتتبع مواضعه وأجاز بعضهم ألا يتتبّع كالغضون في الخفّيْن وما بين الأصابع في الرأس، وهو في المذهب قول محمد بن مسلمة؛ حكاه ابن عطية: وقال الله عز وجل: {بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} فبدأ بالوجه قبل اليدين وبه قال الجمهور.
ووقع في البُخاري من حديث عمّار في باب التيمم ضربة ذِكْرُ اليدين قبل الوجه.
وقاله بعض أهل العلم قياسا على تنكيس الوضوء.
الرابعة والأربعون واختلف العلماء أين يبلغ بالتيمم في اليدين؛ فقال ابن شهاب: إلى المناكب.
رُوِي عن أبي بكر الصديق.
وفي مصنّف أبي داود عن الأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح إلى أنصاف ذراعيه.
قال ابن عطية: ولم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت.
وقيل: يبلغ به إلى المرفقين قياسا على الوضوء.
وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثَّوري وابن أبي سلمة والّليث كلهم يرون بلوغ المرفقين بالتيمم فرضا واجبا.
وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وابن نافع، وإليه ذهب إسماعيل القاضي.
قال ابن نافع: من تيمم إلى الكوعين أعاد الصلاة أبدًا.
وقال مالك في المدوّنة: يعيد في الوقت.
ورَوى التيمّم إلى المرفقين عن النبي صلى الله عليه وسلم جابرُ بن عبد الله وابن عمر وبه كان يقول.
قال الَّدارَقُطْني: سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال: كان ابن عمر يقول إلى المرفقين.
وكان الحسن وإبراهيم النَّخَعِي يقولان إلى المرفقين.
قال: وحدّثني محدِّث عن الشَّعْبي عن عبدالرحمن بن أبْزَى عن عَمّار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إلى المرفقين» قال أبو إسحاق: فذكرته لأحمد بن حنبل فعجب منه وقال ما أحسَنَه!.
وقالت طائفة؛ يبلغ به إلى الكوعين وهما الرّسغان.
رُوي عن علي بن أبي طالب والأوزاعيّ وعطاء والشّعْبي في رواية، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن رَاهْوَيه وداود بن علي والطبري.
ورُوي عن مالك وهو قول الشافعي في القديم.
وقال مَكْحُول: اجتمعتُ أنا والزُّهرِي فتذاكرنا التيمم فقال الزُّهْري: المسح إلى الآباط.
فقلت: عمن أخذت هذا؟ فقال: عن كتاب الله عز وجل، إن الله تعالى يقول: {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} فهي يد كلها.
قلت له: فإن الله تعالى يقول: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فمن أين تقطع اليد؟ قال: فخصمته.
وحُكي عن الدّراوَرْدِي أن الكوعين فرض والآباط فضيلة.
قال ابن عطية: هذا قول لا يعضده قياس ولا دليل وإنما عمم قوم لفظ اليد فأوجبوه من المنكب: وقاس قوم على الوضوء فأوجبوه من المرافق وههنا جمهور الأمة، ووقف قوم مع الحديث في الكوعين، وقِيس أيضًا على القطع إذ هو حكم شرعي وتطهير كما هذا تطهير، ووقف قوم مع حديث عمّار في الكفين. وهو قول الشّعْبي. اهـ. بتصرف يسير.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} جعل التيمّم قاصرا على مسح الوجه واليدين، وأسقط مسح ما سواهما من أعضاء الوضوء بَلْ أعضاء الغسل، إذ ليس المقصود منه تطهيرًا حسيَّا، ولا تجديد النشاط، ولكن مجرّد استحضار استكمال الحالة للصلاة، وقد ظنّ بعض الصحابة أنّ هذا تيمّم بدل عن الوضوء، وأنّ التيمّم البدل عن الغسل لا يجزئ منه إلاّ مسح سائر الجسد بالصعيد، فعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم أن التيمّم للجنابة مثل التيمّم للوضوء، فقد ثبت في [الصحيح] عن عمّار بن ياسر، قال: كنت في سفر فأجنبت فتمعَّكْت في التَراب (أيْ تمرّغت) وصلّيت فأتيت النبي فذكرت ذلك فقال «يكفيك الوجه والكفان» وقد تقدّم آنفًا.
والباء للتأكيد مثل: {وهزّي إليك بجذع النخلة} وقول النابغة يرثي النعمان بن المنذر:
لكَ الخيرُ إن وارتْ بك الأرضُ واحدا ** وأصْبَحَ جَدُّ الناس يظْلَعَ عَاثِرا

أراد إن وارتْك الأرض مواراة الدفن.
والمعنى: فامسحوا وجوهكم وأيديكم، وقد ذُكرت هذه الباء مع الممسوح في الوضوء ومع التيمّم للدلالة على تمكّن المسح لئلا تزيد رخصةٌ على رخصة. اهـ.